يعاني العالم بأكمله منذ أكثر من عام من جائحة كورونا. لقد لقي أكثر من ثلاثة ملايين شخص مصرعهم لأسباب متعلقة بكوفيد ١٩. بيد أن هناك أمل: فمنذ نهاية العام الماضي توجد لقاحات جاهزة للتطعيم ضد الفيروس مسبب المرض. وازدادت في الآونة الأخيرة في ألمانيا وتيرة التطعيم بشكل كبيرة. الأمل إذا معقود أن يصل عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح في هذا العام إلى نسبة تكفي لتفادي حدوث موجة عدوى كبيرة أخرى.
لكن اللقاحات مازالت تواجه شكوكا كبيرة. يعود السبب في ذلك من ناحية إلى الحالات النادرة من الآثار الجانبية الشديدة والمتعلقة بلقاح أسترازينيكا. من ناحية أخرى هناك أساطير كثيرة محيطة بلقاح كورونا تتسبب في زعزعة الثقة. السطور التالية تقدم نظرة عامة على حقيقة هذه الأساطير:
الأسطورة: لقاح كورونا لا يحمي بالدرجة الكافية ومن الممكن الإصابة بكورونا رغم تلقي اللقاح
الحقيقة: إن فعالية الحماية التي تقدمها لقاحات كورونا عالية جداً، فعلى سبيل المثال يمنح كل من لقاح بيونتك/ فايزر ولقاح مودرنا الحماية بنسبة ٩٦ في المائة من كوفيد ١٩. لكن معهد روبرت كوخ (RKI) يؤكد على وجود احتمالية الإصابة رغم ذلك، إذ أنه لا توجد حماية بنسبة ١٠٠ في المائة.
ويمكن أن يمرض الشخص المتلقي للقاح على سبيل المثال إذا ما كان قد تعرض للعدوى قبيل الحصول على اللقاح مباشرة. ومن الممكن أيضا أن يصاب متلقي اللقاح بعد اللقاح بفترة وجيزة بعدوى سارس-كوفيد-٢، وهذا قبل أن يكتمل بناء الحماية الناتجة عن اللقاح. يكمن وراء ذلك أن مادة اللقاح لا يتكشف عنها تأثيرها الواقي إلا بعد ١٠ أو ١٤ يوماً من تلقي الجرعة الأولى من اللقاح وهذا بشكل تدريجي.
الأسطورة: سوف يكون تلقي اللقاح إلزامياً
الحقيقة: لا يوجد حالياً إلزام بتلقي لقاح كورونا في ألمانيا. بيد أن الوزارة الاتحادية للصحة بإمكانها وفقاً لقانون الحماية من العدوى أن تلزم بتلقي لقاحات وقائية إذا ما وافق مجلس الولايات الاتحادي على ذلك. تطرأ هذه الحالة إذا ما "ظهر مرض معدي ذو مسار سريري حاد وأشارت التوقعات إلى انتشاره بشكل وبائي" (قانون الحماية من العدوى، المادة ٢٠، الفقرة ٦). هذان الشرطان يسريان على كوفيد-١٩.
لكن الحكومة الألمانية الاتحادية قررت عدم الإلزام باللقاح. في الوقت ذاته هناك توصية ملحة بالحصول على اللقاح. فإن الشخص الذي يتلقى اللقاح لا يقي نفسه فحسب، بل يوفر الوقاية للمجتمع المحيط به أيضاً.
الأسطورة: لقاح كورونا يمثل خطورة على الخصوبة لدى السيدات
الحقيقة: لا توجد أدلة علمية على تأثير لقاح كورونا سلباً على الخصوبة لدى السيدات. يعتقد الباحثون أن أصل هذه الأسطورة يعود إلى تشابه بسيط جداً بين بروتين سبايك (وهو البروتين الذي يبرز من غلاف الفيروس في شكل حسكات ويساعد مسبب المرض في مهاجمة الخلايا البشرية) وبروتين متواجد داخل المشيمة. لكن الأمر يدور حول ٥ من أصل أكثر من ٥٠٠ حمض أميني يتواجدون بشكل متشابه وليس متطابقا في بروتين سبايك. بالإضافة إلى ذلك فهي تتواجد داخل البروتين الموجود في المشيمة ولا يمكن للأجسام المضادة القادمة من الخارج الوصول إليها إطلاقاً.
هذا التفسير وحده ينزع المصداقية عن الأسطورة. ويؤكد الخبراء إضافة إلى ذلك: إذا ما كان اللقاح باستطاعته أن يقضي على الخصوبة، لكانت الإصابة بكورونا أكثر قدرة بكثير على ذلك، وهذا لتوافر بروتينات سبايك بكميات أكبر بكثير داخل الجسم. لكن هذا لم يلاحظ في أي مكان في العالم حتى الآن.
يقيم معهد باول إيرليش هذا الموضوع بالشكل التالي: "انطلاقاً من البيانات المتاحة تعتبر أفضل حماية ممكنة لاستبعاد حدوث أضرار على الأعضاء التناسلية وإعاقة التكاثر لدى البشر متوفرة في إطار الترخيص بالأدوية." من هذا المنطلق يمكن للسيدات الراغبات في الحمل الحصول على اللقاح حسبما يؤكد أيضاً معهد روبرت كوخ.
الأسطورة: لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال/ حمض (mRNA) تغير الجينوم البشري
الحقيقة: تعتمد لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) على مقتطف من جينوم الفيروس مما يؤدي إلى إعطاء أمر بناء لخلايا الأشخاص متلقي اللقاح. فحمض (mRNA) المعني يمنحهم أمراً ببناء بروتينات سبايك التي يستجيب لها نظام المناعة. هذه العملية يفترض منها في المستقبل على الأقل تفادي اتخاذ المرض لمنحى خطير وحتى الوفاة بسبب كوفيد ١٩ لدى كل من حصل على اللقاح.
لكن حمض (mRNA) لا يتعامل مع حمض (DNA) البشري، إذ أن حمض الدنا يتواجد داخل نواة الخلية التي لا يصل إليها حمض (mRNA). بالإضافة إلى ذلك فهناك فارق في البنية الكيميائية لكل من حمض (mRNA) وحمض (DNA). وبذلك فلا يمكن أن يتم تركيب حمض (mRNA) في حمض (DNA) بهذه البساطة.
أظهر الباحثون في تجارب مختبرية في دراسة نشرت في نهاية عام ٢٠٢٠، لكنها لم تُفحص بعد من قبل خبراء مستقلين، أنه في ظروف معينة يمكن لجزيئات صغيرة من حمض (mRNA) الخاص بسارس-كوفيد-٢ أن تتحول إلى حمض (DNA) وأن تُدمج في الجينوم البشري. بيد أنه مازال من غير الواضح إن كانت هذه الظاهرة يمكن أ تطرأ أيضا خارج المختبر. وحتى إن كان هذا ممكنا خلال العدوى الطبيعية بمسبب المرض، فإن باحثين آخرين يفترضون أن هذه العملية شديدة الندرة وتكاد تكون نتائجها البيولوجية منعدمة. أما عند الحصول على لقاح حمض (mRNA) فلا يلعب هذا دورا بأية حال.
الأسطورة: لقاح كورونا يمكن أن يتسبب في الإصابة بالسرطان
الحقيقة: لم يتم إثبات علاقة من هذا النوع خلال الدراسات التي بحثت لقاحات كورونا. إن السرطان ينشأ إذا ما بدأت الخلايا بالانقسام بدون سيطرة. ويكون السبب في ذلك في معظم الأحوال أضرار في المادة الوراثية، أي حمض (DNA)، أو خطأ في قراءة المعلومات الوراثية. بيد أن لقاحي أسترازينيكا وجونسون أند جونسون ضد كورونا اللذان يستعملان الفيروسات الغدية كوسيلة نقل (ناقل) يحتويان على المعلومات الضرورية حول بروتين سبايك في شكل حمض (DNA). ورغم أن الفيروسات الغدية هي ناقلات غير تكاملية لا يتلامس حمض (DNA) الخاص بها مع نواة الخلية، إلا أن هناك مؤشرات على أنه في حالات نادرة جدا يمكن لحمض (DNA) الغريب أن يصل داخل الخلايا وبمحض الصدفة البحتة إلى الجينوم البشري وأن يقوم بإتلافه عبر ذلك.
بيد أن العلماء لا يعتقدوا أن لقاحات النواقل يمكنها أن تتسبب في الإصابة بالسرطان. فإن اللقاح يتم حقنه في العضلة العلوية للذراع، وخلايا العضلات تنقسم ببطء شديد، مما يجعل احتمالية السرطان ضئيلة جدا. بالإضافة إلى ذلك يتعين على نظام المناعة أن يقتل الخلايا التالفة جينيا بعد بضعة أسابيع. أخيرا فإنه حتى اليوم لم يتم اكتشاف علاقة في حالات العدوى الطبيعية بالفيروسات الغدية والتي تتسبب في نزلات البرد على سبيل المثال بينها وبين الإصابة بالسرطان كأثر طويل المدى.
الأسطورة: تم تطوير لقاحات كورونا والتصريح بها في مدة قصيرة جدا
الحقيقة: تم بالفعل تطوير لقاحات كورونا والتصريح بها في وقت قياسي. في الأحوال العادية تستغرق هذه العملية بين ١٠ و١٥ عاما. لكن الظروف المحيطة بجائحة كورونا مكنت من الإسراع بهذا التطور: فقد تم ضخ الكثير من الأموال في جميع أنحاء العالم في أبحاث اللقاحات. ورغم أن لقاحات حمض (mRNA) شديدة الفعالية هي الأولى من نوعها التي يتم التصريح بها، إلا أنها يكمن وراؤها أكثر من ٢٠ عاما من الأبحاث في هذه التقنية.
كذلك فقد تم تبسيط إجراءات التصريح وجعلها أكثر كفاءة بغرض كسب الوقت. بعض الإجراءات مثلا تم إتمامها بشكل متواز بدل من تتابعي كما هو معتاد. أخيرا فإن الباحثين بعض المعلومات المسبقة عن اللقاحات المحتملة ضد فيروسات كورونا بسبب خبراتهم مع أسلاف سارس-كوفيد-٢، سارس وميرس.
لكن السلطات لم تتهاون رغم العملية المعجلة للتصريح باللقاحات في الشروط الدنيا المتعلقة بالجودة والفعالية والسلامة. فجميع اللقاحات المستخدمة في ألمانيا اختبرت بحرص على عدد كاف من الأشخاص في دراسات سريرية ولم تنتج عنها مضاعفات خطيرة. والهدف من تلك التجارب دائما هو التأكد من أن الفعالية تفوق الآثار الجانبية بشكل جلي. بالإضافة إلى ذلك يتم في ألمانيا قبل التصريح باستخدام لقاح فحص جودة كل دفعة لقاحات على حدة من قبل معهد باول إيرليش المختص أو يتم التأكيد على نتيجة الفحص إذا ما كان قد تم بالتفويض. ولا يتم الإفراج عن اللقاح إلا إبان التأكد من أمنه وفعاليته.
لكن السلطات لم تتهاون رغم العملية المعجلة للتصريح باللقاحات في الشروط الدنيا المتعلقة بالجودة والفعالية والسلامة. فجميع اللقاحات المستخدمة في ألمانيا اختبرت بحرص على عدد كاف من الأشخاص في دراسات سريرية ولم تنتج عنها مضاعفات خطيرة. والهدف من تلك التجارب دائما هو التأكد من أن الفعالية تفوق الآثار الجانبية بشكل جلي. بالإضافة إلى ذلك يتم في ألمانيا قبل التصريح باستخدام لقاح فحص جودة كل دفعة لقاحات على حدة من قبل معهد باول إيرليش المختص أو يتم التأكيد على نتيجة الفحص إذا ما كان قد تم بالتفويض. ولا يتم الإفراج عن اللقاح إلا إبان التأكد من أمنه وفعاليته.